responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 5
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 142]
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)
قَدْ خَفِيَ مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْآيِ الَّتِي بَعْدَهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا أَنَّهَا إِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ يَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَنَّ الْقِبْلَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا هِيَ الْقِبْلَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَنَّ التَّوَلِّيَ عَنْهَا هُوَ نَسْخُهَا بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يُتَرَقَّبَ طَعْنُ الطَّاعِنِينَ فِي هَذَا التَّحْوِيلِ بَعْدَ وُقُوعِ النَّسْخِ أَيْ بَعْدَ الْآيَاتِ النَّاسِخَةِ لِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ دَأَبِهِمْ مِنَ التَّرَصُّدِ لِلطَّعْنِ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ مُتَتَابِعَةً، وَالْأَصْلُ مُوَافَقَةُ التِّلَاوَةِ لِلنُّزُولِ فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَّا مَا ثَبَتَ أَنَّهُ نَزَلَ مُتَأَخِّرًا وَيُتْلَى مُتَقَدِّمًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِبْلَةِ الْمُحَوَّلَةِ الْقِبْلَةُ الْمَنْسُوخَةُ وَهِيَ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَعْنِي الشَّرْقَ وَهِيَ قِبْلَةُ الْيَهُودِ، وَلَمْ يَشْفِ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَصْحَابِ «أَسْبَابِ النُّزُولِ» الْغَلِيلَ فِي هَذَا، عَلَى أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيِ الَّذِي قَبْلَهَا غَيْرُ وَاضِحَةٍ فَاحْتَاجَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى تَكَلُّفِ إِبْدَائِهَا.
وَالَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَهْمِي أَنَّ مُنَاسَبَةَ وُقُوعِ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا مُنَاسَبَةٌ بَدِيعَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا تَكَرَّرَ فِيهَا التَّنْوِيهُ بِإِبْرَاهِيمَ وَمِلَّتِهِ، وَالْكَعْبَةِ وَأَنَّ مَنْ يَرْغَبُ عَنْهَا قَدْ سَفِهَ نَفْسَهُ، فَكَانَتْ مَثَارًا لِأَنْ يَقُولَ الْمُشْرِكُونَ، مَا وَلَّى مُحَمَّدًا وَأَتْبَاعَهُ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَيِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَيَأْبَى عَنِ اتِّبَاعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، فَكَيْفَ تَرَكَ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؟ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَكَرَّرَتِ الْإِشَارَةُ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ إِلَى هَذَا الْغَرَضِ بِقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [الْبَقَرَة: 115] . وَقَوْلِهِ:
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [الْبَقَرَة: 120] كَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَالِكَ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَأَنْبَأَ رَسُولَهُ بِقَوْلِهِمْ وَأَتَى فِيهِ بِهَذَا الْمَوْقِعِ الْعَجِيبِ وَهُوَ أَنْ جَعَلَهُ
بَعْدَ الْآيَاتِ الْمُثِيرَةِ لَهُ وَقَبْلَ الْآيَاتِ الَّتِي

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 5
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست